أثارت تصريحات الدكتور محمد بهاء الدين وزير الموارد المائية والري، خلال زيارته خزان أسوان والسد العالي قبل أسبوع، حول وجود احتياطى من المياه خلف السد العالى يكفى مصر 100 عام، تساؤلات خبراء مياه بشأن مدى واقعيتها، فى وقت يتحدثون فيه عن دخول البلاد فعليًا مرحلة الفقر المائي.
لكن الدكتور خالد وصيف المتحدث الرسمي باسم الوزارة، عاد ليفسر ما جاء على لسان الوزير. فقال إن حديثه كان منصبـًا على فوائد السد العالي التي تجنيها مصر، وأهمها فكرة التخزين القرني بدلاً من التخزين السنوى. وهذا يعنى أن السعة الكلية لبحيرة ناصر ( 162مليار متر مكعب) تكفى احتياجات مصر لأكثر من عامين متتالين، بفرضية عدم وصول أى مياه الى البحيرة من منابع النيل.
وأضاف أن هذا يعني أن السد يستطيع تأمين حصة مصر لمدة مائة عام، نتيجة نظرية الملء والتفريغ، لأنه مصمم على أساس توفير كمية من المياه بين منسوبي 147 مترًا و175 مترًا، مقدارها 90 مليار متر مكعب.
"بنك استراتيجي"
من جانبه، أكد الدكتور حسين العاطفي وزير الموارد المائية والري الأسبق أن بحيرة ناصر بمثابة "بنك استراتيجي" للمياه في مصر، لأنها تخزن مياه النهر فى أوقات الفيضان، وتستغَل فى أوقات الجفاف، أو عند وصول المياه من المنبع بمعدلات منخفضة. وتعد "ناصر" ثاني أكبر البحيرات الصناعية في العالم مساحة، ويبلغ طولها 500 كم منها 350 كم في الأراضي المصرية، والباقي في السودان.
وأضاف العاطفي فى حديث خاص لـ"بوابة الوفد" أن حصة مصر الثابتة من مياه النيل تقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب. لكن هذه الحصة ربما تزيد على هذا المعدل مع ازدياد دورة الفيضان، وبالتالي فإن مصر تلتزم بحصتها المقررة سنويا، ويذهب الباقى الى الخزان الاستراتيجي في البحيرة، الذي يتم استغلاله عند الحاجة.
وأشار إلى أن دورة الفيضان في نهر النيل تُحسب كل 20 سنة، تقسم على 3 فترات: الأولى يزيد فيها منسوب المياه على المتوسط ويستمر 7 سنوات، والثانية أقل من المتوسط لمدة 7 سنوات أخرى، والأخيرة 6 سنوات وهى فترة انتقالية مضطربة ما بين المنخفض والمرتفع.
وبلغة الأرقام، قال العاطفى إن خبراء المياه يعتبرون فيضان النيل متوسطاً حين يصل نصيب مصر والسودان من الفيضان 84 مليار متر مكعب فى العام، منها 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب من نصيب السودان، و10 مليارات متر مكعب فاقد يتحول إلى بحيرة ناصر. وإذا وصل الفيضان إلى 90 مليار متر مكعب مثلا، تأخذ مصر والسودان حصتيهما، ويتم تخزين الباقى فى البحيرة. وفى حال عدم وصول المنسوب إلى أقل من المتوسط، تلجأ مصر إلى استكمال حصتها من بحيرة ناصر، فى حين تستهلك السودان حصتها مباشرة من النهر.
وعن فكرة الخزان القرني، قال العاطفى إن بحيرة ناصر صُممت بعد دراسة بيانات 100 عام من الفيضانات، وكذلك الحال بالنسبة إلى السد العالى، حتى تحتسب كمية المياه التي تصل مصر من المنبع، وعليه يتم برمجة السد العالى وحساب أوقات الفيضانات والجفاف.
ورأى أن هناك فائدة كبيرة للسد، هى حماية مصر من الفيضانات والجفاف. فقد زاد منسوب المياه بشكل قياسى أعوام 1995 و 2000 و 2001، ولولا السد لغمرت مياه النيل مناطق كبيرة فى مصر، كما أنه أنقذ البلاد من جفاف عانت منه دول حوض النيل طيلة 10 سنوات، ما بين 1978 و 1988. وبفضل المخزون الاستراتيجي في بحيرة ناصر لم تشعر مصر بالجفاف، وأخذت تصرف حصتها المعتادة.
فقر مائي؟
رغم وجود مخزون استراتيجي في البحيرة يكفى مصر لسنتين، حذر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فى أحدث دراساته، من ارتفاع العجز المائي في البلاد سنة 2017 ليصل 2.15 مليار متر مكعب. فيما أكد الدكتور عطية النجار، أستاذ الخدمة المائية الأرضية في معهد بحوث الأراضي والمياه، دخول مصر مرحلة الفقر المائي لأن نصيب الفرد وصل 650متر مكعب في السنة، فى حين أن المعدل العالمي ألف متر سنوياً.
من جانبه، قال الدكتور حسين العاطفي إن حصة مصر من مياه النيل ثابته منذ عام 1959، حين كان تعداد السكان نحو 25 مليون نسمة. وهي الحصة ذاتها التي نستخدمها حاليـًا في ظل تزايد سكاني مضطر ومع وصول عدد السكان نحو 90 مليون نسمة، يحتاجون نحو 70 مليار متر مكعب سنويا، أى أكثر من الحصة بنحو 17.5 مليار متر مكعب. ومع وجود مخزون استراتيجي، فإن مصر تلتزم بحصتها المقررة لها سنويا، من دون زيادة.
حلول بديلة
وأضاف العاطفي أن مصر تلجأ إلى وسائل عدة لتعوض هذه الفجوة فى الاستهلاك، منها إعادة تدوير مياه الصرف الزراعى والصحى لاستخدامها فى الزراعة، وتحلية مياه البحر، واللجوء إلى الآبار الجوفية لاستخدامها فى الشرب. وهذه الخطة "قصيرة الأمد" التى لجأت إليها وزارة الرى والموارد المائية لتعويض الفارق، وتستمر حتى سنة 2017.
ولفت إلى وجود خطة طويلة الأمد لسد العجز المتوقع للمياه، خصوصاً مع توقع تخطى عدد السكان حاجز الـ100 مليون نسمة سنة 2050. تتمثل فى التوسع فى مشاريع تحلية مياه البحر لأغراض الشرب وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعى والصحي لأغراض الزراعة، واستكشاف المزيد من خزانات المياه الجوفية.
وحتى لا تتفاقم الأزمة، طالب العاطفي الحكومة بتدشين حملة قومية لتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على المياه والاقتصاد فى استخدامها. فى حين طالب النجار بترشيد استهلاك المياه المستخدمة فى الزراعة بنظام الرى بالغمر، لأنها تستنفد 85% من مياه نهر النيل، واقترح استخدام طرق أخرى حديثة، مثل الري بالرش أو التنقيط، إضافة إلى استخدام أنواع معينة من المحاصيل ذات الاستهلاك القليل للمياه والإنتاجية العالية، الأرز المعدل وراثيًا، الذى يستهلك كميات أقل من المياه، بالإضافة إلى تعميم السلالات الحديثة من القمح التى اعتمدتها وزارة الزراعة هذا العام، وتتمتح بإنتاجية عالية، وتستهلك كميات مياه أقل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق