أمسكت د. تريسي غريكشايت بقطعة من الأمعاء في يديها اللتين ترتدي فيهما قفازا طبيا، وقامت بفحصها بوصة بوصة كما لو كانت تفحص الإطار الداخلي لدراجة هوائية بحثا عن أي تسريب. وكانت هذه الأمعاء ما تزال متصلة من أحد طرفيها بالطفل مارك بارفنيشت، وهو رضيع يبلغ من العمر عاما واحدا كانت وجنتاه المتوردتان تكذبان فكرة أنه يرقد على طاولة عمليات جراحية داخل «مستشفى لوس أنجليس للأطفال».
كان مارك من الأطفال المبتسرين (الخدج) الذين ولدوا قبل موعد الولادة الطبيعي بثلاثة أشهر، مما سبب لديه اضطرابا صحيا يؤثر على ما يصل إلى 10 في المائة من الرضع الذين يبلغ وزنهم نحو 3 أرطال (الرطل يساوي 453 غراما تقريبا) أو أقل عند الولادة، وهذا الاضطراب يؤدي إلى موت بعض النسيج المعوي لديهم. وقد كانت حالة مارك سيئة للغاية إلى درجة أن معظم أمعائه تمت إزالتها بالفعل، والآن تحاول الطبيبة الجراحة غريكشايت أن تحدد كم يمكنها إنقاذ ما تبقى من الأمعاء.
«أمعاء قصيرة»
* تشتهر غريكشايت ببراعتها في علاج الرضع من أمثال مارك، الذين ربما تكون الطريقة الوحيدة لبقائهم على قيد الحياة هي الطريقة التي تسميها «الطفل ذو الأحشاء القصيرة»، أي أن يعيش الطفل بأمعاء قصيرة إلى درجة لا تمكنها من امتصاص الغذاء بصورة طبيعية، مما يجبره على الحصول على العناصر الغذائية عن طريق الحقن في الدم مباشرة.
ولكن كما تعمل غريكشايت بإخلاص من أجل إنقاذ الأطفال داخل غرفة العمليات، فهي مصممة بالقدر نفسه على البحث عن حل أفضل مما يواجهه المرضى من التغذية عن طريق الحقن في الأوردة، التي قد تستمر معهم طوال العمر. وهي تقضي معظم وقتها داخل مختبرها على الجانب المقابل من الشارع، في «معهد سابان للأبحاث» التابع للمستشفى، حيث تعمل مع فريقها البحثي للعثور على طريقة لتكوين أمعاء بديلة من أجل الأطفال من أمثال مارك، من خلال استخدام الجسم نفسه لتغذية النسيج المركب ودفعه إلى النمو.
ويأتي عمل غريكشايت في صدارة الجهود التي تبذل داخل المختبرات في مختلف أنحاء العالم لبناء أعضاء وأنسجة بديلة، وعلى الرغم من أن الهدف المنشود منذ زمن بتطوير أعضاء مركبة مثل القلب والكبد من أجل تسهيل زراعتها محل الأعضاء التالفة ما زال أمامه طريق طويل، فإن الباحثين بدأوا في تحقيق نجاح في تكوين أعضاء أبسط، مثل المثانة والقصبة الهوائية، بفضل التقدم الذي تحقق في فهم الخلايا الجذعية، وهي الخلايا الأساسية التي يمكن تحويلها إلى أنواع أخرى من الخلايا داخل الجسم، وكذلك بفضل التقنيات المبتكرة التي تم تطويرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق